
قد تكذب على نفسك بالقول إنك قصدت ﺯيارة مدينة قونيا ﺍلتركية، عاصمة التصوف المولوي، ﻭفي موسم «شابي عروس»، لمجرﺩ الفضوﻝ. لكنك ستكتشف سريعاً، برغم كل سخريتك من مظاﻫر «ﺍلفولكلور ﺍلرﻭحي»٬ أنك ﻫنا أيضاً٬ في الحقيقة٬ من أجل ﺭجاء آخر. المشاعر ﺍلمختلطة ﺍلتي تخرج بها من رحلتك تلك ﺍلى عالم التصوﻑ ﺍليوم، وهو عالم يبدو أنه يعود ﺍلى سطح الحياة الروحية والاجتماعية في عالمنا اليوم، تبدو متضاربة لك قبل الأخرين. تدﺍفع عن نفسك أﻭلاً بوضع مسافة بينك وبين ﺍلمناسبة٬ فتصبح سائحاً. ﻭقد قدّمنا أمس رﻭﺍية ﺍلسائح عن الرحلة. لكن، إﻥ أحسست بنفسك تنزلق للتعمق أكثر في ما تراﻩ، ستجفل ﻭتتسلّح بنظرﺓ التشكيك. فإنﻥ كاﻥ يقين بعد ﺫلك؟ فالشك أفضل الطرﻕ إليه، وإﻥ لم يكن؟ سيكفيك من ﺍلطريق أسئلتها وصحبة أھلها وﻫذه ﺍلرﻭﺍية.
قونيا | على مائدة فطوﺭ ﺍلصباﺡ في ﺍلفندﻕ ﺍلمتواضع٬ ﻭقف ﺭجل «مشورﺏ»، بدﺍ ﻭكأنه كاﻥ يعدّ ﻁاﻭلة ﺍلإفطار لحوالى عشرة أشخاص. يقف ﺍلرجل يقشر البيض المسلوق بوﺭع تقريباً. يضع في كل صحن ﻭبكل ِّ تأﻥ ٍّ بيضة مقشرﺓ. لم يكتفِ بذلك٬ بل ﻁفق يقشر مثلثاﺕ الجبنة وﻭيضع في كل صحن ﻭاحدﺓ. قلت في نفسي ﺭبما يعدّ الفطور لأﻭلادﻩ. لكني فوجئت حين فُتح باﺏ ﺍلمصعد لتفد منه مجموعة ﺭجال ﻭنساء تتصدرھم سيدة في ستينياتها. بشرتها البيضاء مشرّبة بالحمرة ﻭعيناﻫا الزرقاﻭان تشيان بأصول سلافية.
بشّ الرجل للجميع ﻭسحب كرسياً ليُجلس اﺍلسيدة٬ ثم تراجع كما يترﺍجع ﺍلخادﻡ، ليقف على مقربة، متأﻫباً لتلبية ﺃي إشارﺓ. ﻫا ﻫو يملأ أكواﺏ ﺍلشاﻱ ﺃﻭ يجلب ﺍلماء لمن يريد. كاﻥ يقوم بكل ِّ شيء بإتقاﻥ ووﺭع ﻭﺍلابتسامة لا تفارﻕ ثغرﻩ. لم يكن ناﺩلاً٬ لا شك في ﺫلك. من ﻫو؟ ﺃسأل «ﺁيكوت» ﺍلذﻱ سبق أﻥ تعرفت ﺇليه، كونه يتكلم بعض ﺍلإنكليزية، فيبتسم ﻭلا يجيب. ثم يميل إليّ ﻭيهمس »ﺃخبرك لاحقاً«. ﻁبعاً فهمت بعد ذلك أﻥ الرجل/ الخادﻡ ﻫو في الحقيقة »مريد« في الطريقة الرفاعية مع أﻥ عمرﻩ جاوز الأربعين. لذا فهو يؤدﻱ ﺍلأعماﻝ ﺍلمطلوبة من ﺍلتلميذ في ﺃﻭلى ﺍلمرﺍتب٬ وهي ﺃعماﻝ تدوﻡ لألف ليلة وليلة٬ يقوﻡ خلالها بثمانية عشر نوعاً من ﺍلخدمة٬ قبل أﻥ يُقبل في ﺍلطريقة ﻭيصبح دﺭﻭيشاً أﻭ يُصرﻑ لحاﻝ سبيله. يأخذنا ﺍلحديث فيدعوني الشباﺏ الى حلقة ﺫكر مساء في فندﻕ قريب في حضوﺭ شيخ الطريقة الرفاعية.
في الفندﻕ المتواضع بدوﺭه تواضع نزلائه٬ نصعد ﺍلى قاعة كبيرﺓ نسبياً، ﺃُخليت من الطاولاﺕ ﻭﺍلكرﺍسي ﻭفُرشت أﺭضها بالسجاﺩ حتى لم يبقَ منها ﺃي شيء ظاهر٬ يتوافد اﺍلمريدوﻥ ﻭﺃتباﻉ ﺍلطريقة نساء ﻭرﺭجالاً. آﺁﻩ! ﻫا ﻫي ﺍلسيدة اﺍلستينية ﺍلجميلة التي كنت قد رﺃيتها في ﺍلفندﻕ تَفِدُ ﺍلى ﺍلقاعة مع بضع نساء ﺭيفيات. يبدﻭ أنها الآمرﺓ ﺍلناهية. لكن٬ لِمَ ليس ھناك من شيخات للطرق الصوفية؟ لِمَ ﺍلاقتصاﺭ على ﺍلذكورﺭ؟ تقول صديقتي لتي سبقتني اﺍلىﻫنا إﻥ النساء ﺍلشيخاﺕ ﻭالمتدﺭﻭشات كثيراﺕ لكنهن لا يظﮫرن كما ﺍلرجاﻝ! لم ﺃصدقها. فقد بدﺕ كما المؤمناﺕ ﺍلكلاسيكياﺕ المدافعاﺕ مثلاً عن مقولة إﻥ الأﺩياﻥ حرّرت المرﺃﺓ! سرعاﻥ ما تمتلئ ﺍلقاعة بالمريدين، فتتكوّم ﺍلأحذية خاﺭجها. ينقسم ﺍلنساء ﻭالرجاﻝ كل في جهة من ﺍلقاعة ذاتها٬ تتوسطﻬم فرقة المنشدين ﻭالشيوﺥ: شخص على ﺍلناي ﻭﺁخرﻭﻥ بالدفوﻑ ﺍلكبيرﺓ ﻭشاب بدا عربياً معه عوﺩ. ﺃما ﺍلشيخ فتوسّط ﺍلجميع ﻭبدأ بقراءﺓ ﺍلقرآﻥ. كنت ﺃعلم أنه تأﺩباً عليّ أﻥ أغطي شعري كما فعلت ﺍلنسوة ﺍلحاضراﺕ. لكني فضّلت ﺍلانتظاﺭ لأتأكد من قوﻝ «ﺁيكوت» إنني أستطﯿﻴع البقاء سافرﺓ. كنت أنتظر. من يا ترﻯ سيحثّني على ﺫلك؟ لم تتأخر إحدﻯ اﺍلسيداﺕ خلفي عن ﺍلإيماء لي بوجوﺏ تغطية رﺃسي. جندياﺕ ﺍلقمع ﻫنّ ﺍلنساء ﺇﺫﺍً؟ لم ﺃكنﺃشكّ في ذﺫلك. فهذﻩ ﻫي ﺍلطريقة ﺍلوحيدﺓ ليكنّ حرّاﺕ بعض ﺍلشيء في ﻫذاﺍ ﺍلمجتمع ﺍلذكورﻱ. أﻱ أﻥ يكنّ حاﺭساﺕ النظاﻡ.
بدأ ﺍلإنشاﺩ ﻭﺍلغناء تارﺓ بالعربية و «تارﺍت» (لو جازﺕ) بالتركية. ثم ﺩخل ﺃحدﻫم ﻭسط ﺍلحلقة وبدأ بالدوﺭﺍﻥ على ﺍلطريقة ﺍلمولوية ﺍلتي ﺍخترعها صاحب ﺍلمناسبة جلاﻝ الدين الرومي وتوأﻡ رﻭحه ﻭحبيبه شمس التبريزﻱ. ضاقت ﺍلقاعة وﻭقف ﺍلجميع نساء وﺭجالاً مترﺍصّين تقريباً كل في جهته. كان ﺍلشيخ قد بدأ ﻫو الآخر بالدﻭراﻥ ﻭسط اﺍلحلقة، في حين كان الأتباﻉ ﻭقوفاً يقومون بحركة وﺍحدﺓ ھي خبط الكف الأيمن على ﺍلصدﺭ لجهة اﺍلقلب وتكراﺭ كلمة واحدﺓ ھي «ﻫو». ثم تسارﻉ ﺍلإيقاﻉ وتسارﻉ ﺍلـ «ﻫو» وﺃخذ يتصاعد شيئاً فشيئاً. وإﺫ بإحدﺍھن تكاﺩ تغيب عن ﺍلوعي فتسحبها سيدة خارﺝ ﺍلقاعة لتسقيها الماء ﻭيعودﺩ لها ﻭعيها. ﺃسألها: لم سحبتها ﻭلم تتركها لنشوتها؟ فتقول بما معناﻩ «لئلا تزعج الآخرين». أكمل الآخروﻥ لساعة ربما، على الإيقاع نفسه٬ ﻭلما بلغ اﺍلذكر نهايته جلسوا ﺇلا ﻭاﺍحدﺍً، بدا في نشوة لاھثة مردﺩّﺍً «ﻫو/ﻫو/ﻫو»، ﻭقد احمر وجهه ﻭتصبّب عرقاً. برفق، يحيط به رفاقه ﻭيمسحوﻥ ﻭجهه بالماء فيفتح عينين قد احمرتا وﺍمتلأتا بالدموع ﻭنظر حوله كمن أفاق للتو.
خارﺝ اﺍلقاعة٬ كانت ﺍلنساء يعددﻥ ﻁاولة عشاء خفيف، توزع بين ﺃطباﻕ من ﺍلرز بالحليب، ﺍلتي توﺯع أيضاً في عاشوﺭاء. فالذكر، وﻫو خليط من الآياﺕ وﻭالأناشيد تمدﺡ كلها ﺃھل ﺍلبيت وﺍلإمامين ﺍلحسن وﺍلحسين ﻭخاصة الإماﻡ علي وﺍلنبي ﺍلمصطفى. لم أفهم! ﺃسأﻝ «ﺍوﺭ»: «ألستم من ﺃھل اﺍلسنّة؟« يجيب بنعم. فأسأله إﻥ كنتم تمدحون ﺃھل ﺍلبيت وتبكون لذكر كربلاء ﻭتقولوﻥ عن الإمام علي إنه باب ﺍلمعرفة٬ فما ﻫو إﺫﺍً خلافكم مع ﺍلشيعة؟» يفكر اﻭر قليلاً ثم يقول: «اﺍلشيعة لا يسلمون باليد!».
روﺍية المريد
حين جاء يوم “شابي عروﺱ”، كان قد ﺍزﺩحم أمام بوابة متحف (ومقاﻡ) مولانا جلاﻝ الدين ﺍلرومي، خلق كثير. الناس كانوا يتخاطبون بلغات كثيرﺓ: فارسي على تركي على عربي على إنكليزي على ليتواني على رﻭسي… كأﻥ “خلق الله” كلهم كانوا ھناﻙ. حين ﻭصلت ﺍلى ﺍلمدخل (الدخول مجاني) شققت ﻁريقي بصعوبة الى أﻥ وصلت ﺍلى باﺏ المقاﻡ. لم ﺃشهد ﺇلا في حفلاﺕ فيروﺯ، اﺯﺩحاماً يصلح في ﻭصفه “يوﻡ ﺍلحشر”. تلاصق غير ديني يكاﺩ يعصر الأجساﺩ. لا أحد يريد ﺍلتراﺍجع عن سنتيمتر واحد يقربه من دخوﻝ ﺍلقاعة قبل ﺍلرابعة إلا ﺭبع، ﺍلساعة التي توفي فيها ﺍلرومي وﺍلتي يبدأ فيها ﺍلاحتفال عادﺓ.
ما إﻥ اقتربت بما يكفي من الباب٬ ﻭلمحت الشرطي ﺍلمولج بالتنظﯿم أﻭ بتنظﻴم ﺍلفوضى٬ حتى تصنعت ضيق التنفس وأني على حافة الإغماء. فسحبني ﺍلشرطي اﺍلرقيق القلب بيدﻩ ﺍلى ﺍلداخل. شققت طريقي ﺍلى المقاﻡ حيث وجدﺕ صديقي الصوفيين يقفاﻥ برﻫبة وﻭﺭع٬ ينتظراﻥ بدء ﺍلاحتفال شاخصين بصمت كالجميع ﻫنا٬ ﺍلى قبلة ﺍلمقام. وﺍلمقام ليس قبرﺍً وﺍحدﺍً، بل ھو مجموعة قبور ﺩفن فيها الى الرومي٬ واﺍلدﻩ وﺃبناؤﻩ وبعض حواﺭييه ومرافقيه كحساﻡ الدين ﺍلذﻱ خلفه ﻭالذﻱ كاﻥ له الفضل في كتابة جلاﻝ ﺍلدين ﺍلرومي لكتابه العظﯿم «اﺍلمثنوﻱ». أما شمس التبريزﻱ٬ ﺃستاﺫ ومعلم ﺍلرومي؟ فله مقاﻡ آخر، خارﺝ ﻫذا المقاﻡ.
بقي شمس منبوذﺍً برغم موته إذﺍً. لهذا ﺃحببته ﺃكثر. داخل مقاﻡ ﺍلرﻭمي لم يكن الازﺩحاﻡ مزعجاً كخاﺭجه. فقد كان كافياً لكل من ﺩخل، مجرﺩ موطيء قدﻡ. ﻫكذا ﻭقف الجميع وﻭجوههم الى المقاﻡ، بكل احتراﻡ. ﺍلبعض أطبق عينيه وﺩخل في مناجاﺓ رﻭحية، ﺃما اﺍلريفيات ﺍللوﺍتي تصاحبهن ﺍلجلبة عادﺓ لارتفاﻉ أصواتهن فقد جلبن أبناءھن للتبرﻙ. وبالطبع كانت التلفوناﺕ “الذكية” مرفوعة عالياً تصوّر كل تفاصيل الحدﺙ مع اقتراﺏ ساعة ﺍلرومي. ما ﻫذاﺍ اﺍلإيمان اﺍلمتلفز؟ قلت في نفسي. لا نشبع من ﺍستﮫلاﻙ صورﺭتنا؟ سيرسلوﻥ الصور وقد كتبوﺍ «سيلفي وﺍلرومي خلفي”!
نظرﺕ حولي فأرتني عيني آلاﻑ اﺍلنسخ من “شمس التبريزي”٬ نسخ مشوﻫة بغالبيتها٬ ﻭفي اﺍلأصل اﺍلنسخة أقل قيمة من اﺍلأصل فكيف إﻥ كانت كاﺭيكاتير له يرتكز على اﺍلمظﻬر ﺍلخارجي! يبدو الرجل ﻭكأنه تحوّل ﺍلى موضة ما ينتحلها شباﻥ يبحثون عن معنى لحياتهم اليوم٬ أﻭ محتالوﻥ يبحثوﻥ عن ﻭسيلة للعيش على حساب اﺍلآخرين خاصة النساء. نوع من “جيغولو” روحاني! معقدﺓ ﻫي ﺍلحياﺓ. ﻫنا تبدو ﺃكثر تعقيدﺍً. مﻬرجاﻥ من ﺍلسياحة وﺍلفولكلور ﺍلإيماني٬ مهرجوﻥ ﻭمشككوﻥ وتجار ومريدﻭن ﺃشبه بأتباع “نيو آيج” ﺍلجدد. أما ﺍلأتباع ﺍلحقيقيوﻥ؟ فلا يكونوﻥ مرئيين لهذه ﺍلدﺭجة… أﻭ ربما.
كان الناﺱ وﺍقفين كأن على رؤﻭسهم ﺍلطﯿر! سألت نفسي: ترﻯ ما ﺍلذﻱ يجمعني بكلﻫؤلاء الناس؟ سرحت بأفكارﻱ على صوت ناي رقيق انبعث من أماﻡ اﺍلمرقد٬ لكنه لم يكن مرئياً بسبب كثافة اﺍلحشد. تهمس صديقتي في أﺫني أﻥ ﺍلاحتفال بدأ، إنها ﺍلرابعة تماماً. يتلو بعده قاﺭئ بصوت غاية في الرخامة شيئاً من ﺍلقرآﻥ. ثم أسمع نصوصاً شعرية ﺭبما بالتركية. شردﺕ، وبدوﻥ ﺃن أنتبه نسيت للحظة أنني ﻫنا. صمت اﺍلحشوﺩ مؤثر تماماً كأصواتها. يبدو لمن يغمض عينيه أنه ذو وزن ما. أﻫو صوت تنفس ألوف اﺍلبشر؟ ﺃھي ﻁاقة انتباھهم المركّزة على شيء واحد؟ حرارة ﺃجسامهم؟ أحسست بنسمة ﺭقيقة ولكن سريعة تخترق صدري. كأنها ﺩخلت ﻭخرجت بسرعة ﺍلشهقة. فتحت عيني متفاجئة لهذﺍ الإحساﺱ الملموس ﻭقد ظننت لوﻫلة أﻥ أحدﺍً نفخ في وﻭجهي. لكن ظهور اﺍلناس ﺍلمرصوصة أمامي كما في مسجد٬ ﻭﺍلشاخصة ﺍلى الضريح، جعلت الاحتمال معدوماً! ما ھذﺍ؟ كانت ابتسامة ﺍلسخرية ما زالت تلوي فمي برغم ﺍستغرﺍبي، ﺭبما كنت ﺃدافع عن نفسي هكذا أمام ﺍلغامض. وقبل أن أﺩرﻙ، إﺫ بدموعي تفيض وقد تملكتني رغبة جارفة في ﺍلبكاء! وﻭضعت يدي على فمي لأكتم صوت نشيج قوي بدأ يعلو برغمي! يا ﺇلهي؟ ما الذﻱ حصل؟ خرجت مسرعة قبل ﺃن ينتهي الاحتفال٬ في حين كان ﺩرﺍويش المولوية يدورون حول أنفسهم
بالقرب من القبر. كنت بحاجة الى ضوء ﺍلنهاﺭ ﻭبعض اﺍﻬوﺍء الطلق. ﻫل أﻫلوﺱ بسبب فوبيا ﺍلأماكن اﺍلمزﺩحمة؟ لكن الإحساﺱ بتلك ﺍلنسمة كان ما زاﻝ يهزني كورقة شجر تلعب مع ﺍلنسيم. ﻫل أكون في صدد ﺍلإيحاء لنفسي بذلك؟ ﻭلِمَ؟ إﻥ كاﻥ ذلك صحيحاً فمعناه ﺃني كنت بحاجة لهذﺍ ﺍلإيحاء. بحاجة؟ أﻡ كنت أﺭغب بذلك؟ وما ﺍلفرﻕ بينهما؟ فالرغبة تأتي من ﺍلحاجة أﻭ من ﺍلتعطش الى شيء ما. تجوع ﻭتعطش. فإن كان ما حصل إيحاء ذﺍتي٬ فلا شك ﺃني كنت بحاجة ﺇلى ھذا ﺍلإيحاء لسدّ نقص ما، فكما يعطش الجسد تعطش الروﺡ. فما ﺍلمشكلة في أن أصدق أﻥ شيئاً، ليس ضرورياً أن يفهمه ﺍلعقل٬ شيئاً جيدﺍً وجميلاً قد حصل فعلاً، ھناﻙ؟ لِمَ لا أجرّب أن أصدق؟ أﻭلست ھنا، في ﺍلنهاية، من أجل ﻫذﺍ؟