مدونة الكاتبة اللبنانية ضحى شمس

٤ آب: يوم الانهيار العظيم

٤ آب: يوم الانهيار العظيم
13/08/2020 doha chams

كان على صوت الانفجار أن يدوّي بهذه القوة الرهيبة ليكون لائقاً كموسيقى تصويرية لمشهد الانهيار العظيم. اهتز البيت، ونفخ عصف الانفجار الكائنات البشرية الهشة في محيطه كما ينفخ عملاق غباراً، تشقلب ناس في الهواء مع حطام الأشياء والأثاث، فرغ الجو للحظات من أي صوت، ثمأمطرت زجاجاً.

من شرفة البيت، خلف البنايات القريبة علا دخان على شكل فطر كبير، كما في التفجيرات النووية، ثم تلّون الدخان بالأحمر والزهري، وتبدد بياضاً بعد دقائق. الجنود في محيط المنزل قرب المستشفى العسكري يهرعون في كل اتجاه، يصرخون بأوامر مرتجلة ومتضاربة أملاها الهلع وجهل ما يحصل والغريزة.

بسرعة، تحولت ترجيحات السبب إلى روايات يتناقلها المذعورون: انفجار مستودع مفرقعات نارية بداية، ثم رواية قصف إسرائيلي بصاروخ، فسيارة مفخخة بعبوة ضخمةتتضح الأسباب بعد حوالى الساعة والنصف عبر تصريح المدير العام للأمن العام عباس إبراهيم الذي خفّ إلى مكان الكارثة: انفجار في العنبر رقم ١٢ في مرفأ بيروت الذي كان يحوي ٢٧٥٠ طناً من نيترات الأمونيوم التي صودرت من باخرة مخالفة العام.. ٢٠١٤!

سخر الرجل الغاضب من رواية المفرقعات المنفجرة، لكنه اتخذ جانب الحذر بالقول أنه لا يجوز استباق التحقيقات والقول أنه عمل إرهابي، وأضاف أن هناك مواداً شديدة الانفجار مخزّنة في العنبر المنكوب منذ سنوات. تبين انه كان يقصد حمولة نيترات الأمونيوم (تستخدم في صناعة المتفجرات والأسمدة الزراعية) المخزنة من حزيران/يونيو العام ٢٠١٤ في العنبر رقم ١٢ في المرفأ بعد انزالها من باخرة وفدت من جورجيا العام ٢٠١٣ «لعطل اصابها» حسب رواية المحققين الأولية.

ماذا تفعل النيترات الخطرة في مستودع في مرفأ بيروت؟ لمن هي؟ وكيف تخزّن في مكان كهذا لسبع سنوات بعد مصادرتها من باخرة ما في وقت ما لسبب ما!

الصراخ يعلو في الشوارع. الهواتف لا تعمل. كان على سكان بيروت واللبنانيين أن يستوعبوا ما حصل، وبسرعة. أن يخرجوا من البيوت الآيلة للسقوط ضمن قطر لا يقل عن سبعة كيلومترات في محيط الانفجار، أن يتفقدوا أنفسهم أولاً، ثم مَن حولهم: مَن مات ومَن جُرح ومَن فُقد. لساعات لم يكن في الشوارع إلا أصوات الصراخ الممزوجة بأبواق سيارات الإسعاف واستنجاد الجرحى. الكارثة مهولة، عصيّة حتى على التخيل، فكيف على الاستيعاب؟

بيروت مدينة منكوبة، أعلنها المجلس الأعلى للدفاع. لزوم ما لا يلزم. المشهد ليس بحاجة إلى أي إعلان. بيروت تتبدد هباء منثوراً. سُمع دوي الانفجار في مدينة صيدا جنوب بيروت، لا بل في قبرص قبالة الشواطئ اللبنانية حسب تقرير لوكالة رويترز.

لا ليست مفرقعات وربما ليست إسرائيل أيضاً. على الأقل، مباشرة وحسب المعطيات الأولية. فقضية الباخرة التي جلبت تلك المواد تحوم حولها شبهات كثيرة. أصلاً، لسنا بحاجة إلى إسرائيل لمزيد من الانهيار، فنحن نهوي بقوة الدفع الذاتي. الفساد أقوى من إسرائيل، وهو أيضاً لن يتأخر عن تدميرها. فساد متراكم نخر جسد لبنان الكبيرأكاد أقول منذ تأسيسه. حوّل النظام المهترئ برعاية الطوائف ورعاتهم الفاسدين البلاد إلى جثة منتهية الصلاحية منذ زمن طويل. جثة صحيح، ولكنها لا تزال تقتل.

الهواتف الذكية تناقلت كل أنواع الشائعات المتكاثرة كما يتكاثر الذباب فوق جثة متروكة في الشمس. محطات تلفزيونية كثيرة سقطت في امتحان المهنية: عدلت أخبارها لتصبح على قياس رغبات مالكيها ومموليها. “سكاي نيوز عربيةلم تتورع عن تزوير تاريخ تصريح لبنيامين نتنياهو كان قد قاله قبل ١٢ ساعة من وقوع الحادث. نسبت القناة تصريحاً لرئيس الوزراء الإسرائيلي يقول فيه ان ما حصل هو رد على حزب الله (١). لكن، سرعان ما تبين ان التصريح كان في الصباح وكان يشير إلى قصف ليلي سابق في سوريا، في حين ان انفجار المرفأ حصل مساء. لا بل إن نتنياهو شخصياً خرج لينفي الخبر“.

فيديو صوّره منتج في قناة سي ان انجرى تزييفه عن طريق إضافة ما يشبه صاروخاً للحظة الانفجار. خرج المصوّر المصاب من المستشفى ليفضح تزييف شريطه الذي انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم (١).

يسارع انتهازيو السياسة لاستغلال الفاجعة. ما أسرعهم؟  خصوم الحكومة يتهمونها بالتقصير، هم الذين كانوا في سدة السلطة لدى إدخال تلك القنبلة الموقوتة، وطوال فترة بقائها في العنبر. يتضح ان الحكومة ايضا علمت بوجود الشحنة قبل حوالي اسبوعين من الكارثة. كذلك رئيس الجمهورية. لم لم يتصرفا؟ الجواب غامض. كانت هناك نية لمؤتمر صحفي يعلن فيه رئيس الحكومة انجاز «أمن الدولة»  التي «اكتشفت» وجود الشحنة في المرفأ قبل اسبوعين من الانفجار، ثم.. تراجع الرجل. لماذا تراجع؟ هناك رواية تقول ان شخصاً بعينه، مستشاراً ما، اقنعه بأنه إن لم تنفجر تلك المواد طوال سبع سنوات، فإنها لن تفعل الآن. أنصار دياب يدافعون عنه بقولهم انه اعطى الأولوية لكارثة كورونا المستفحلة.

خصوم حزب الله يتهمونه بأن الانفجار ناجم عن صواريخ يخزنها في المرفأ قصفتها إسرائيل ما أدّى لانفجار العنبر بنيتراته. لم يعد الموضوع مستودع النيترات. صار الموضوع سلاح حزب الله.  يخرج الأمين العام للحزب حسن نصرالله بمداخلة ينفي فيها بشكل حاسم هذه الرواية. ثم يخرج بعد أيام ليقول انه إن كانت إسرائيل خلف الانفجار فسيكون حسابها عسيراً. 

يجتمع  رؤساء حكومة سابقون معارضين لرئيس الحكومة الحالية ليطالبوا بلجنة تحقيق دولية أو عربية

كان اللبنانيون قد تنفسوا الصعداء بوصول المحكمة الخاصة بلبنانإلى خواتيمها، وبالتالي اقتراب توقفهم عن تمويلها من جيوبهم الفارغة. محكمة بحثت طوال ١٥ عاماً عن الحقيقةفي حادثة اغتيال رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري. لكن هؤلاء يريدون تدويل البلد وقضاياه مجدداً.

التحقيقات التي بوشرت فوراً أدت إلى توقيف مدير المرفأ ومديري الجمارك الحالي والسابق. ينتظر الناس تدحرج الرؤوس الكبيرة، الحماة الفعليون لأولئك المجرمين من سياسيين وقضاة وإداريين ذكرت اسماؤهم في التحقيقات او لم تذكر بعد. وحش السلطة القائمة يلاعب العدالة. يراوغ. يماطل. هو يجيد ذلك. يراهن على الذاكرة القصيرة للناس ورغبتهم بنسيان جراحهم. يراهن على يومياتهم المعيشية المتدهورة والتي لا بد ستأخذ انتباههم بعد قليل. يراقب. يقدم ضحايا قليلة. ويصبر. 

المحكمة الخاصة بلبنان، التي كانت قد أعلنت أنها ستنطق بحكمها في السابع من آب، وكان اللبنانيون يمسكون أنفاسهم تخوفاً مما ستقوله وأثره على السلم الأهلي، تؤجل النطق بالحكم بسبب الفاجعةالتي هزّته حسب بيانها. المحكمة التي ثبت فسادها وتسييسها مراراً وتكراراً، لا تريد أن يقاسمها أحد المشهد/ الاستعراض. لماذا تؤجل المحكمة إعلان قرارها؟ أليس قراراً قضائيا؟ أم أن المسرح السياسي لم يعد ديكوره مطابقاً للمواصفات؟

تجلس امرأة أمام دكانها المنهار في منطقة مار مخايل الملاصقة لمكان الانفجار، محاولة أن تحمي ما تبقى لديها من عبث لصوص مفترضين. يؤكد عنصر من الجيش كان يتحدث لزميله أن الساعات الأولى شهدت هجوماً للصوص على الأنقاض. تبكي السيدة السبعينية وهي تقول إنها نامت هنا وسط الخراب مع زوجها الثمانيني لأن المنزل دُمر بالكامل. تبكي وهي تروي مأساتها. دموع المسنين المتروكين لمصيرهم حارقة.

مزارعو الفتن الطائفية يروون زرعهم. الألم مسيحي، يقول أحد نوابهم. ما الذي يعنيه ذلك؟ هل يريد ألماً مسلماً بالمقابل ليحقق توازن «التعايش»؟

١٧٠ قتيلاً واكثر من ٦ آلاف جريح وحوالى ٣٠٠ ألف مشرد و٣٠ مفقوداً في آخر حصيلة للكارثة. المستشفيات غصّت بالجرحى وأهاليهم تجمعوا أمام مداخلها باكين وصارخين بأسماء أولادهم. لم يعد أحد يبالي بعدوى «كورونا» التي لا تزال تفتك بالبلد، أعداد الحالات يتصاعد بشكل رهيب. والمشارح فاضت بالجثث. يستعان ببرادات أخرى. كأننا في حرب تموز ٢٠٠٦.

الحكومة ارتبكت كثيراً، أعلنت أولاً حال الطوارئ لمدة أسبوعين وتولي السلطة العسكرية العليا فوراً صلاحية المحافظة على الأمن وتوضع تحت تصرفها جميع القوى العسكرية والأسلاك الأمنية“. وعد رئيسها حسان دياب بجلاء الأسباب خلال خمسة أيام. كأنه يعد بتغيير النظام خلال تلك المدة. 

أما الشارع فقد كان مدهشاً: هرع اللبنانيون من كل المناطق والأطراف، حتى النائية، إلى مكان الانفجار في ردة فعل تنفي كل ما يقال عن كراهيتهم بعضهم. مراهقون، كبار في السن، محجبات..من الجنوب، الشمال، البقاع.. لا فرق. هرع فلسطينيو المخيمات ايضاً وهلالهم الأحمر. ابناء البلد غير الشرعيين، المولودين على ترابه بجنسية معلقة بقضية. عمال مصريين وسوريين وبنغلادشيين. الجميع هرع للمساعدة. حملوا ما استطاعوا: الجرحى أولا، ثم ما يلزم لإغاثة الناجين.

مستشفيات مرتجلة في الأزقة والشوارع، خيم نصبت على عجل. ومساعدات انهالت من كل حدب وصوب على المنكوبين. بيوت فتحت أبوابها لمن أصبحوا بلا سقف يؤويهم، ورسائل على الهاتف تعرض بيوتاً فارغة أو خبرات هندسية مثلاً في تقييم قابلية البيوت المتضررة للسكن.

وعلى بعد بضع خطوات من الجميزة المنكوبة، تحديداً في ساحة الشهداء التي كانت تعرف بساحة البرج، والتي كانت تعلق فيها مشانق المحكومين بالإعدام، علق بعض الناشطين مشانق قالوا إنها تنتظر المسؤولين عن هذه الكارثة.  في حين هجم آخرون على بعض الوزارات، ومنهم من أتلف ملفات رسمية، ما اعتبره البعض محاولة مشبوهة للتخلص من وثائق قد يكون لها علاقة بملفات الفساد. لا نستطيع استبعاد اي احتمال. مقادير الفتن والحروب والتفجيرات كلها متوفرة في مخازننا. ولا أتحدث عن تلك الموجودة خارج رؤوسنا فقط. مطالعات خاطفة لمواقع التواصل الاجتماعي تثبت ذلك. تواصل اجتماعي! من سماها كذلك؟    

زاد ارتباك الحكومة مع زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون العاجلة إلى لبنان. شغلت الزيارة اللبنانيين. جعلتهم يشعرون أن باباً أو ثغرة في الحصار الأميركي والغربي والعربي على بلادهم قد فُتحت. استقبل لبنانيو المنطقة المنكوبة ذات الغالبية المسيحية ماكرون استقبالاً عاطفياً يليق بما يعتبره بعضهم أمومةفرنسا للبنانهم. غمروه بالقبلات (مرحبا كورونا) والطلبات المهينة وطنياً بسذاجتها. يقول عامر محسن ان تلك الطلبات تعبير عن اليأس من الكيان. الأرجح انه محق.

أما المؤتمر الصحافي في «قصر الصنوبر» الذي عقده ماكرون بعد لقائه لقادة ورؤساء الكتل النيابية والأحزاب، فقد كان فضيحة بكل معنى الكلمة. أسئلة غالبية المراسلين الصحافيين الذين من المفترض أنهم يتمتعون بحد أدنى من الحسّ المهني والوطني في هذه المأساة، كانت مذهلة بمعاملتها له كمفوضٍ سامٍ وليس كرئيس دولة أجنبية. لدرجة أن ماكرون شخصياً أجاب البعض أنتم من اختار هؤلاء (القادة السياسيين) بالانتخابات“. أو أنا رئيس فرنسا لست رئيس لبنان ولا أستطيع التدخل بشؤونكم الداخلية“. لكن القشة التي قصمت ظهر البعير كانت بمطالبه بعضهم بعودةالإنتداب الفرنسي إلى لبنان! لا بل إن هؤلاء انشأوا عريضة (٢) بهذا المضمون على موقع آفازوصل عدد التواقيع عليها إلى ٦٠ ألفاً قبل أن تقفل لسبب لم يتضح.

وإن انعشت زيارة الرئيس الفرنسي معنويات جمهور فرنسا اللبناني، إلا أنها خيّبت آمال قادتهم ممن يعرفون بقوى ١٤ آذار. فهؤلاء كانوا يمنّون النفس بتكرار سيناريو العام ٢٠٠٥ بعد اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري الذي أدى إلى خروج الجيش السوري، وانشاء المحكمة الخاصة بلبنان، واستلامهم الحكم. الفرصة سانحة. المصيبة مجرد فرصة.

لكن ماكرون أعطى إشارات مخيبة لآمالهم، خصوصاً بعد دعوته مختلف قادة الأحزاب ورؤساء الكتل النيابية، بمن فيهم رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب عن حزب الله محمد رعد، إلى طاولة حوار في قصر الصنوبر، مقر إقامة السفير الفرنسي، أي على الأرض الفرنسية. وهذا اللقاء الذي خرق الحصار الدبلوماسي والسياسي حول الحزب، يعتبر الأرفع مع مسؤول فرنسي منذ قيامه العام ١٩٨٢.

وما زاد الطين بلّة، أن ماكرون، خلال توديعه هؤلاء السياسيين، انتحى جانباً (٧ دقائق) بالنائب رعد، وطلب إليه ابلاغ من يمثلهم بأنه قد حرصت على وجودكم إلى الطاولة، وأنا أول رئيس دولة يلتقي بممثل عن الحزب، بالرغم من تصنيف الذراع العسكري لهذا الأخير إرهابياً في اوروبا، كما تمنى عليهم دعم المسعى الفرنسي والإصلاحات التي اقترحها، وهي كما أعلن بعدها ماكرون، عقد ميثاقي جديد بين اللبنانيين، على خلفية قناعة فرنسا بأن صلاحية اتفاق الطائف قد انتهت. وتحقيق دولي شفاف، وإصلاحات ينتظرها المجتمع الدولي وصندوق النقدلتتمكن فرنسا من فتح الأبواب الدولية أمام لبنان“.

لقد جاءت كلمة الأمين العام لحزب الله إثر زيارة ماكرون لتعبر عن إيجابية في تلقف ما حملته زيارة الرئيس الفرنسي التي كان واضحاً أنها كانت تحظى بموافقة الرئيس الأميركي. هذا الأخير كان قد اتصل بالرئيس اللبناني ميشال عون معزياً بعد الكارثة.

لم تكن قوى ١٤ آذار وحدها المستاءة من مضمون زيارة ماكرون. فرئيس الحكومة، الذي قرأ في دعوة ماكرون إلى حكومة وحدة وطنية، إشعاراً له بانتهاء حكومته التكنوقراط، أعلن أنه سيدعو إلى انتخابات نيابية مبكرة وقانون يقصّر مدة ولاية المجلس النيابي، ملوحاً بالاستقالة خلال شهرين ان لم يدرج رئيس الجمهورية الاقتراح على جدول اعمال الجلسة المقبلة، ما أصاب حلفاءه بالدهشة كونه لم يتشاور في هذا الأمر الهام مع أيٍّ منهم. ودفع برئيس مجلس النواب المستاء، الى تحديد جلسة لمساءلة الحكومة. قرأ دياب في تلك الدعوة تهديداً بتحميله كل المسؤولية. نظر حوله. لم يجد احداً. من يجرو على إغضاب رئيس المجلس المزمن؟ هكذا، استقال دياب بعد اجتماع أخير، حوّل خلاله جريمة انفجار المرفأ إلى المجلس العدلي.

كان هذا القرار مهماً جداً. فالجرائم التي تحوّل إليه من مجلس الوزراء تبتّ بسرعة كبيرة مبدئياً (مع ان هناك جرائم لا تزال عالقة فيه حتى اليوم) ولا تسقط بمرور الزمن. وهي غير قابلة للمراجعة العادية وغير العادية، إلا أنها أصبحت تقبل الاعتراض وإعادة المحاكمة بعد تعديل المادة 366 أ.م.ج. بموجب القانون الرقم 711 تاريخ 9/12/2005، أثر ثبوت براءة أحد المحكوم عليهم الفلسطيني يوسف شعبان بجريمة اغتيال دبلوماسي أردني، وظهور مرتكبي الجرم ومحاكمتهم أمام القضاء الأردني فيما بعد.

لكن، سرعان ما خاب امل اللبنانيين خلال «معركة» تسمية المحقق العدلي. بدا ان النظام استرد انفاسه. مجلس القضاء الأعلى، الذي عين رئيس الحكومة السابق سعد الحريري ثمانية من اعضائه، ظل يرفض أسماء قضاة الى أن وجد «ضالته» علي ما يبدو في احدهم. كيف سيحاسب النظام نفسه؟ سيلقي بأضحية تفترسها الجماهير الغاضبة ثم سيهدأ الجميع. الوقت الآن لكي يحرص الجميع في اركان النظام ان لا يكونوا هم الأضحية. 

هكذا، يكون رئيس الحكومة، الأقل مسؤولية في كل ما حصل للبنان حتى اليوم (ولو انه لا يمكن اعفاؤه من المسؤلية) الضحية الأولى لانفجار مرفأ بيروت. فهل ستستطيع «العدالة» التي يطالب الجميع بإصلاح أدواتها، أن «تستخرج» الفاعلين الحقيقيين المتجذرين في تربة النظام الصلبة؟ وإن فعلت، هل ستستطيع محاكمتهم بهذه العدّة الموجودة؟

وماذا عنّا؟ نحن المستغرقون في صورة غضبنا والمعجبون بها. المنساقون لكل أنواع الفتن، المدججون بالكراهية التي تسمم أجسادنا وعقولنا وتمنعنا عن التفكير؟

هل يكفي ان نجتمع لدى وقوع الكارثة ونتفرق بعدها بهنيهات؟ هل يكفي ان ننتظر المجرمين بالمشانق..  بأيد خالية من أي بديل سياسي حقيقي لما هو قائم؟ 

(١) العربي الجديد: عدد ٨ آب : سوشيل ميديا: ما لم يحصل هذا الأسبوعhttps://www.alaraby.co.uk

(٢) العريضة التي تدعو فرنسا الى اعادة انتداب لبنان لعشر سنوات https://secure.avaaz.org/community_petitions/en/emanuel_macron_place_lebanon_under_french_mandate_for_the_next_10_years_/